أدب
النَّثْرُ في العَصْرِ الحَديثِ
فُنونُ النَّثْرِ العَرَبيِّ الحَديثِ
الخَطابةُ
ضَعُفَ تأثيرُ الخَطابةِ كَثيرًا في زَمانِ الدَّولةِ العُثمانيَّةِ، وكاد دَورُها يَقِفُ على مجَرَّدِ الخَطابةِ الدِّينيَّةِ، ناهيكَ عن بَلادةِ الخَطابةِ حينَئِذٍ ورَتابتِها؛ حيثُ كان الخُطَباءُ يَخطُبونَ مِن كُتُبٍ مُعدَّةٍ سابقًا، لا تتناسَبُ مع ظُروفِ العَصْرِ ونَوازِلِ الأيَّامِ، الَّتي إنما شُرِعَت الخُطبةُ لبيانِ تلك النَّوازِلِ وتَفصيلِ أحكامِها، وزَجْرِ النَّاسِ عمَّا خاضوا فيه من المُنكَراتِ والأباطيلِ، وأمْرِهم باتِّباعِ ما تَرَكوه من أمرِ الدِّينِ وسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.
فلمَّا تهَيَّأتِ الظُّروفُ للنهْضةِ الأدبيَّةِ، استعان المثقَّفونَ بالخَطابةِ بمُختَلِفِ أشكالِها وفُنونِها؛ للتَّأثيرِ على الجُمهورِ، كما كانت الخَطابةُ خَيرَ وَسيلةٍ للإصلاحِ المجتَمَعيِّ؛ ولهذا سَعَت الجَمْعيَّاتُ الخَيريَّةُ والمُؤَسَّساتُ الاجتِماعيَّةُ إلى استِعمالِ الخُطَباءِ في تَوعيةِ النَّاسِ بقَضايا المجتَمَعِ والبيئةِ. وبهذا نَشِطَت الخَطابةُ وازدهَرَ دَورُها في النَّواحي كافَّةً.
ومن الخُطبِ التي اشتُهِرت في هذه المرحلة الخُطْبُ السِّياسيَّةُ والخُطْبُ القَضائيَّةُ والخُطْبُ الاجتِماعيَّةُ والخُطْبُ الدِّينيَّةُ وقد كان أشهرها الخُطْبُ الدِّينيَّةُ حيثُ ازدَهَرت ازدِهارًا كبيرًا في العَصْرِ الحَديثِ، بَعْدَ ما آلت إليه مِنَ الرُّكودِ والجُمودِ وعدَمِ مَواكَبةِ الأحداثِ والاعتِمادِ على المحفوظِ القديمِ.
وقد بَدَت مظاهِرُ الازدِهارِ في الخَطابةِ الدِّينيَّةِ مُتمَثِّلةً في:
– التَّجديدُ في الموضوعاتِ والحديثُ عن نوازِلِ العَصْرِ، دونَ الاعتِمادِ على المحفوظِ مِن الخُطَبِ السَّابِقةِ.
– رَبطُ الدِّينِ بالدُّنيا، وعَدَمُ فَصْلِ الدِّينِ عن الحياة والسِّياسةِ.
– الحَديثُ في القَضايا المعاصِرةِ، سواءٌ كانت قضايا اجتِماعيَّةً أو سياسيَّةً أو دُستوريَّةً.
– الاجتِهادُ في أُمورِ الدِّينِ والاعتِمادُ على القياسِ في النَّوازِلِ المُدلَهِمَّةِ.
كما تميَّزت الخَطابةُ الدِّينيَّةُ بعَدَمِ اعتِمادِها على السَّجْعِ وتكَلُّفِ المحَسِّناتِ البديعيَّةِ، فقد أوْلَتِ اهتِمامَها بالجانِبِ العَقليِّ والتَّأثيرِ العاطفيِّ على المستَمِعِ، وأكثَرَت من الاقتباسِ مِن القُرآنِ الكريمِ، والسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ المُطَهَّرةِ، وأقوالِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ، وقد امتازت تلك الخُطَبُ بالعاطِفةِ الصَّادِقةِ، والتَّأثُّرِ النَّفْسيِّ، والجَيَشانِ القَلبيِّ للخَطيبِ .