أخبارأدبالشعر والأدب العربي في العصر الأموي

ألا طال التنظر والثواء

لَها لَجَبٌّ يَصُمُّ بِهِ الدُعاءُ

كَأَنَّ دِفافَ مَأدبُةٍ وَعُرسٍ

وَرَجّازٍ يُجاوِبُهُ الحُداءُ

وَنوحَ مَآتِمٍ وَحَنينَ عودٍ

يُجاوِبُها مِنَ النَعَمِ الرُغاءَ

عَلى أَعجازِهِ إِذ لاحَ فيهِ

سُيوفُ الهِندِ أَخلَصَها الجِلاءُ

إِذا اِنسَحَّت دلاءُ الماءِ مِنهُ

أَمَدَّتهُ بِسافِكِها الدِلاءُ

فَلَيسَ حَفِيلَهُ كَحَفيلِ غَيثٍ

وَلا كَمِياهِهِ في الأَرضِ ماءُ

قَرارُ الأَرضِ مِمّا صَبَّ فيها

لَهُ حُبُكٌ مُوَكَّرَةٌ مِلاءُ

فَأَقلَعَ وَالشَمالُ تَحِنُّ فيهِ

بِكُلِّ قَرارَةٍ مِنهُ إِضاءُ

فَأَعقَبَ بَقلُهُ نُوراً تُؤاماً

كَلَونِ الرَقمِ حَطَّ بِهِ الفِلاءُ

وَنورُ البَختَرِيَّةِ وَالخُزامى

وَحَنوَتِهِ لِبُهجَتِها بَهاءُ

فَقَد جُنَّت كَواكِبُهُ جُنوناً

لَها صَبَحٌ إِذا اِرتَفَعَ الضَحاءُ

إِذا اِغتَبَقَت مِن الأَنداءِ طَلا

فَإِنَّ صَبوحَها مِنها رَواءُ

فَأَوحَشَ رَبعُها وَعَفَت رِياضٌ

تَوَلَّدُ في كَواكِبِها الظِباءُ

بِها سُفعٌ مُوَلَّعَةٌ هِجانٌ

هَوامِلُ لا تُطَرِّدُها الضِراءُ

كَأَنَّ جُلودَها إِذ بانَ عَنها

نَسيلُ الصَيفِ بِالصَيفِ المُلاءُ

لَهُنَّ جَآذِرٌ نَعَسَت فَنامَت

عَواقِدُ في سَوالِفِها اِنثِناءُ

وَعاناتٌ يُطَرِّدُها فَحولٌ

نَواشِطُ في أَياطِلِها اِنطِواءُ

تَرومُ حِيالَها وَتَصُدُّ عَنها

لَواقِحَ مِن صَعابَتِها الإِباءُ

فَكُلُّ هَجَنَّعٍ تَحنو إِلَيهِ

نَقانِقُ في بَلاعِمِها التَواءُ

كَأَنَّ ظُهورَها حُزَمٌ أَنابَت

بِها أُصُلاً إِلى الحَيِّ الإِماءُ

فَعُجتُ عَلى الرُسومِ فَشَوَّقَتني

وَلَم يَكُ في الرُسومِ لَنا جَداءُ

فَناجَيتُ الرُسومَ فَلَم تُجِبني

وَقَد نادَيتُ لَو نَفَعَ النِداءُ

وَدَوِّيٍّ يَصيحُ بِها صَداها

كَأَنَّ صِياحَهُ فيها مُكاءُ

تَفَجَّعُ هامُها وَالبومُ أُصلاً

كَما صَرَخَت عَلى المَيتِ النِساءُ

لِأَسرابِ القَطا فيها عِيالٌ

مُعَرَّسُها وَمَجثَمُها الفَضاءُ

تَوائِمُ كَالكُلى زُغبٌ ضِعافٌ

تَضَمَّنَها الأَفاحِصُ وَالعَراءُ

تَبِصُّ كَأَنَّها عُجُزٌ فَوانٍ

وَقَد بَثِرَت وَلَيسَ لَها عِفاءُ

كَأَنَّ بِهِنَّ زَرنيخاً مَدوفاً

بِها لَصِقاً كَما لَصِقَ الغِراءُ

إِذا اِستَسقَت مَطاعِمَ أَنهَضَتها

فَوَلَّت مِن غَرائِزِها النَجاءُ

مَوارِدُها مِياهُ العِرقِ تَوّاً

وَماءُ القُطقُطانَةِ وَالحِساءُ

تَراطَنُ بَينَها بِكلامِ عُجمٍ

وَأَكبَرُ ما تَهُمُّ بِهِ الرَحاءُ

فَخَلَّفَتِ الدَعاثِرَ ثُمَّ عَبَّت

لِكُلِّ ثَمالَةٍ مِنها سِقاءُ

مَتى تَنهَل قَطاةٌ مِن شُروبٍ

يَكُن قُدّامَها مِنهُ اِرتِواءُ

فَأَنهَلَتِ النُفوسَ وَفي الأَداوي

أَمامَ نُحورِها مِنها اِمتِلاءُ

أَداوي لا يَبِضُّ الماءُ مِنها

وَلَيسَ لِمُفرَغٍ مِنها وِكاءُ

فَصَبَّحَتِ الفِراخَ فَأَنهَلَتها

تَغُرُّ حَوائِماً فيها اِنحِناءُ

بِنازِحَةٍ تَرى الثيرانَ ظُهراً

لِكُلِّ مُوَلَّعٍ مِنها خِباءُ

فَخَلَّفتُ الأَباعِدَ مِن صُواها

بِعَنسٍ ما تَخَوَّنَها الخِلاءُ

مُواشِكَةٍ مُقَتَّلَةٍ ذَمولٍ

وَقاحِ الخُفِّ لَيسَ لَها حِذاءُ

كَأَنَّ مُؤَثِّرَ الأَنساعِ فيها

حِجاجُ البِئرِ خَرَّبِها الرِشاءُ

تَمُدُّ زِمامَها مِنها بِسامٍ

مَرُوحٍ في قَوائِمِها اِعتِلاءُ

تَزِيفُ كَما مَشَت خَرقاءُ زافَت

تُعَجِّلُها المَخِيلَةُ وَالرِياءُ

أَؤُمُّ بِها مِن الأَعياصِ مَلكاً

أَغَرَّ كَأَنَّ غُرَّتَهُ ضِياءُ

لِأُسمِعَ مِن غَريبِ الشِعرِ غُرّاً

وَأُثني حَيثُ يُنتَضَلُ الثَناءُ

يَزيدُ الخَيرِ وَهُوَ يَزيدُ خَيراً

وَيَنمي كُلَّما اِبتُغِيَ النَماءُ

وَيَلبَسُ حُلَّةً أَعذَرتُ فيها

عَلَيهِ فَوقَ مِئزَرِهِ الرِداءُ

إِلى الشُمِّ الشَمارِخِ مِن قُرَيشٍ

تَجَوَّبَ عَن ذَوائِبِها العَماءُ

قُرَيشٌ تَبتَني المَعروفَ قِدماً

وَلَيسَ كَما بَنَيتَ لَها بِناءُ

فَضَضتَ كَتائِبَ الأَزدِيِّ فَضّاً

بِكَبشِكَ وَهوَ بِغيَتُهُ اللِقاءُ

وَعادَتُهُ إِذا لاقى كِباشاً

فَناطَحَهُنَّ قَتلٌ وَاِحتِواءُ

يُفَلِّقُ بِالسُيوفِ شَرَنبَثاتٍ

وَيَجسُرُ كُلَّما اِختُضِبَ اللِواءُ

أَبَرتَ عَدُوَّهُم وَعَفَوتَ عَفواً

بِهِ حُقِنَت مِنَ الناسِ الدِماءُ

سَمَكتَ لَهُم بِإِذنِ اللَهِ مُلكاً

كَما سُمِكَت عَلى الأَرضِ السَماءُ

وَأَحيَيتَ العَطاءَ وَكانَ مَيتاً

وَلَولا اللَهُ ما حَيِيَ العَطاءُ

فَفي كُلِّ القَبائِلِ مِن مَعَدٍّ

وَمِن يَمَنٍ لَهُ أَيضاً حِباءُ

وَصَلتَ أَخاكَ فَهوَ وَلِيُّ عَهدٍ

وَعِندَ اللَهِ في الصِلَةِ الجَزاءُ

نُرَجّى أَن يَكونَ لَنا إِماماً

وَفي مُلكِ الوَليدِ لَنا الرَجاءُ

هِشامٌ وَالوَليدُ وَكُلُّ نَفسٍ

تُريدُ لَكَ الفَناءَ لَكَ الفِداءُ

فِناءُ أَبيكَ مَأهولٌ خَصيبٌ

إِذا لَم يُغشَ في المَحلِ الفِناءُ

عِداتُكَ لا يُخافُ الزُهدُ مِنها

إِذا ما خانَ بِالعِدَةِ اللِقاءُ

وَأَنتَ اِبنُ الخَلائِفِ مِن قُرَيشٍ

نَمَوكَ وَفي عَداوَتِهُم إِباءُ

وَعاتَكَةُ الَّتي وَرِثَت كُرَيزاً

وَحَرباً فَالكِرامُ لَها حِواءُ

عَقيلَةُ مِن تَكَرَّمَ مِن قُرَيشٍ

لَها خَشَعَت مِنَ الكَرَمِ النِساءُ

وَعودُكَ مِن أَعالي النَبعِ فَرعٌ

رَفيعٌ لا يُوازيهِ السَراءُ

فَكُلُّ مَناقِبِ الخَيراتِ فيهِ

حَنيكُ العَقلِ آزَرَهُ الفَتاءُ

إِمامُ الناسِ لا ضَرَعٌ صَغيرٌ

وَلا قَحمٌ يُثَلِّمُهُ الذَكاءُ

عَلى الأَعياصِ عِندَكَ حينَ تُعفى

لِمُمتَدِحٍ مِنَ الثَمَنِ الغَلاءُ

وَمُختَبِطينَ مِن بَلَدٍ بَعيدٍ

عَبَأتَ لَهُم سِجالَكَ حينَ جاءوا

كَشَفتَ الفَقرَ وَالإِقتارَ عَنهُم

فَنالوا الخَيرَ وَاِنكشَفَ الغِطاءُ

فَعيصُكَ خَيرُ عيصٍ في قُرَيشٍ

وَهُم مِن كُلِّ سُبّاتٍ بُراءُ

أولاكَ السابِقونَ بِكُلِّ خَيرٍ

إِذا كَذَبَ المُسَبَّقَةَ البِطاءُ

وَخَيرُ المُتهِمينَ بَنو الأَعاصي

كَما خَيرُ الجِبالِ بِها حِراءُ

المصدر : عالم الادب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق