أخبارأدبالأدب الأندلسي
أطاع لساني في مديحك إحساني
الْبِحَارِ بِهَائِبٍ
وَلَمْ تَكُ فِي رَوْمٍ الْفخَارِ بِكَسْلاَنِ
لَقَدْ هَزَّ مِنْكَ الْعَزْمُ لمَّا انْتَضَيْتَهُ
ذَوَائِبَ رَضْوَى أَوْ مَنَاكِبَ ثَهْلاَنِ
وَلِلَّهِ عَيْناً مَنْ رَآهَا مَحَلَّةً
هِيَ الْحَشْرُ لاَ تُحْصَى بِعَدٍّ وَحُسْبَانِ
وَتَنُّورُ عَزْمٍ فَارَ فِي إِثْرِ دَعْوَةٍ
يَعُمُّ الأَقَاصِي وَالأَدَانِي بِطُوفَانِ
عَجَائِبُ أَقْطَارٍ وَمألَفُ شَارِدٍ
وَأَفْلاَذُ آفَاقٍ وَمَوْعِدُ رُكْبَانِ
إِذَا مَا سَرَحْتَ اللَّحْظَ فِي عَرَصَاتِهَا
تَبلَّدَ مِنْكَ الذِّهْنُ فِي الْعَالِمِ الثَّانِي
جَنىً حَانَ وَالنَّصْرُ الْعَزِيزُ اهْتِصَارُهُ
إِذَا انْتَظَمَتْ بِالقَلْبِ مِنْهَا جَنَاحَانِ
فَمِنْ سُحُبٍ لاَحَتْ بِهَا شُهُب الْقَنَا
وَمِنْ كُتُبٍ بِيضٍ بَدَتْ فَوْقً كُثْبَانِ
مَضَارِبُ فِي الْبَطْحَاءِ بِيضٌ قِبَابُهَا
كَمَا قُلِبَتْ لِلْعَيْنِ أَزْهَارُ سُوسَانِ
وَمَا إِنْ رَأَى الرَّاؤُون فِي الدَّهْرِ قَبْلَهَا
قَرَارَةَ عِزٍّ فِي مَدِينَةِ كَتَّانِ
تَفُوتُ الْتِفَاتَ الطَّرْفِ حَالَ اقْتِفَالِهَا
كَأَنَّكَ قَدْ سَخَّرْتَ جِنَّ سُلَيْمَانِ
فَقَدْ أَطْرَقَتْ مِنْ خَوْفِهَا كُلُّ بَيْعَةٍ
وَطَأْطَأَ مِنْ إِجْلاَلِهَا كُلُّ إِيوَانِ
وَقَدْ ذُعِرَتْ خَوْلاَنُ بَيْنَ بُيُوتِهَا
غَدَاةَ بَدَتْ مِنْهَا اللُّيَوُث بخَوْلاَنِ
فَلَوْ رُميتْ مِصْرٌ بِهَا وَصَعِيدُهَا
لأَضحَتْ خَلاَءً بَلْقَعاً بَعْدَ عُمْرَانِ
وَلَوْ يَمَّمَتْ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنٍ لَمَا
تَقَرَّرَ ذَاكَ الْغِمْدُ فِي غِمْدِ غُمْدَانِ
وَتُجْفلُ إِجْفَالَ النَّعَامِ بِبَرْقَةٍ
لُيُوثُ الشَّرَى مَا بَيْنَ تُرْكٍ وَعُرْبَانِ
وَعَرْضاً كَيَوْمِ الْعَرْضِ أَذهَلَ هَوْلَهُ
عِيَانِي وَأَعْيَانِي تَعَدُّدُ أَعْيَانِي
وَجَيْشاً كَقِطْعِ اللَّيْلِ لِلْخَيْلِ تَحْتَهُ
إِذَا صَهَلَتْ مُفَتنَّةً بِرَجْع أَلْحَانِ
فَيُومِضُ مِنْ بِيضِ الظَّبَا بِبَوَارِقٍ
وَيَقْذِفُ مِنْ سُمْرِ الرِّمَاحِ بِشُهْبَانِ
وَيُمْطِرُ مِنْ وَدْقِ السِّهَامِ بِحَاصِبٍ
سَحَائِبُهُ مِنْ كُلِّ عَوْجَاءَ مِرْنَانِ
وَجُرْداً إِذَا مَا ضُمِّرَت يَوْمَ غَارَةٍ
تَعَجَّبْتَ مِنْ رِيحٍ تُقَادُ بأرْسَانِ
تُسَابِقُ ظِلْمَانَ الفَلاَةِ بِمِثْلِهَا
وَتُذْعِرُ غِزْلاَنَ الرِّمالِ بِغِزْلاَنِ
وَدُونَ مَهَبِّ الْعَزْمِ مِنْكَ قَوَاضِبٌ
أَبَى النَّصْرُ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ بِأَجْفَانِ
نَظَرتُ إِلَيْهَا وَالنَّجِيعُ لِبَاسُهَا
فَقُلْتُ سُيُوفٌ أمْ شَقَائِقُ نُعْمَانِ
تَفَتَّحَ وَرْداً خَدُّها حِينَ جُرِّدَتْ
وَلاَ يُنْكِرُ الأَقْوَامُ خَجْلَة عُرْيَانِ
كَأَن الْوَغَى نَادَتْ بِهَا لِوَلِيمَةٍ
قَدِ احْتَفَلَتْ أَوْضَاعُهَا مُنْذُ أَزْمَانِ
فَإِنْ طَعِمَتْ بِالنَّصْر كَانَ وُضوءُهَا
نَجِيعاً وَوَافَاهَا الْغُبَارُ بِأُشْنَانِ
لَقَدْ خَلَصَتْ لِلَّهِ مِنْكَ سَجِيَّةٌ
جَزَاكَ عَلَى الإِحْسَانِ مِنْكَ بِإِحْسَانِ
فَسَيْفُكَ لِلْفَتْحٍ الْمُبِينِ مُصَاحِبٌ
وَعَزْمُكَ وَالنَّصْرُ الْمُؤزَّرُ إِلْفَانِ
فَرُحْ وَاغْدُ لِلرَّحْمَانِ تَحْتَ كَلاَءَةٍ
وَسَرْحَانَ فِي غَابِ الْعِدَى كُلَّ سِرْحَانِ
وَكُنْ وَاثِقاً بِاللَّهِ مُسْتَنْصِراً بِهِ
فَسُلْطَانُهُ يُعْلُو عَلَى كُلِّ سُلْطَانِ
كَفَاكَ الْعِدَى كَافٍ لِمُلْكِكَ كافِلٌ
فَضِدُّكَ نِضْوٌ مَيِّتٌ بَيْنَ أَكْفَانِ
رِضَا الْوَالِدِ الْمَوْلَى أَبِيكَ عَرَفْتَهُ
وَقَدْ أُنْكِرَ الْمَعْرُوفُ مِنْ بَعْدِ عِرْفَانِ
فَكَمْ دَعْوَةٍ أَوْلاَكَ عِنْدَ انْتِقَالِهِ
إِلَى الْعَالَمِ الْبَاقِي مِنَ الْعَالَمِ الْفَانِي
فَعُرِّفْتَ فِي السَّرَّاءِ نِعْمَةَ مُنْعِمٍ
وَأُلْحِفْتَ فِي الضَّرَّاءِ رَحْمَة رَحْمَانِ
عَجِبْتُ لِمَنْ يَبْغِي الْفَخَارَ بِدَعْوَةٍ
مُجَرَّدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَحْقِقِ بُرْهَانِ
وَسُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْفَخْرِ قَدْ أَتَتْ
بِكُلِّ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانِ
وَمَنْ مِثْلُ إِبْرَاهِيمَ فِي ثَبْتِ مَوْقِفٍ
إِذَا مَا الْتَقَى فِي مَوْقِف الْحَرْبِ صَفَّانِ
إِذَا هَمَّ لَمْ يَلْفِتْ بِلَحْظَةِ هَائِبٍ
وَإِنْ مَنَّ لَمْ يَنْفُثْ بِلَفْظَةِ مَنَّانِ
فَصَاحَةُ قُسٍّ فِي سَمَاحَةِ حَاتِم
وَإِقْدَامِ عَمْرٍو تَحْتَ حِكْمَةِ لُقْمَانِ
شَمَائِلُ مَيْمُونِ النَّقِيبَةِ أَرْوَعٌ
لَهُ قَصَبَات السَّبْقِ فِي كُلِّ مَيْدَانِ
مَحَبَّتُهُ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ
وَطَاعَتُهُ فِي اللهِ عُقْدَةُ إِيمَانِ
هَنِيئاً أَمِيرَ الْمُسْلِمِينَ بِمِنَّةٍ
حُبِيتَ بِهَا مِنْ مُطْلَقِِ الْجُودِ مَنَّانِ
لَزَيَّنْتَ أَجْيَادَ الْمَنَابِرِ بِالَّتِي
أتَاحَ لَهَا الرَّحْمَانُ مِنْ آلِ زِيَّانِ
قَلاَئِدُ فَتْحٍ هُنَّ لَكِنَّ قَدْرَهَا
تَرَفَّعَ أَنْ يُدْعَى قَلاَئِدَ عِقْيَانِ
أَمَوْلاَيَ حُبِّي فِي عُلاَكَ وَسِيلَتِي
وَلُطْفُكَ بِي دَأْباً بِحَمْدِكَ أَغْرَانِي
أيَادِيكَ لاَ أَنْسَى عَلَى بُعُدِ الْمَدَى
نَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ شَرِّ نِسْيَانِ
فَلاَ جَحْدَ مَا خَوَّلْتَنِي مِنْ سَجَّيتِي
وَلاَ كُفْرَ نُعْمَاكَ الْعَمِيمَةِ مِنْ شَانِي
وَمَهْمَا تَعَجَّلتُ الْحُقُوقَ لأَهْلِهَا
فَإِنَّكَ مَوْلاَيَ الْحَقِيقُ وَسُلْطَانِي
وَرُكْنِي الَّذِي لَمَا نَبَا بِي مَنْزِلِي
أَجَابَ نِدَائِي بِالْقَبُولِ وَآوَانِي
وَعَالَجَ أَيَّامي وَكَانَتْ مَريضَةً
بِحِكْمَة مَنْ لَمْ يَنْتَظِرْ يَوْمَ بُحْرانِ
فَأَمَّنَنِي الدَّهْرُ الّذِي قَدْ أَخَافَنِي
وَجَدَّدَ لِي السَّعْدَ الَّذِي كَانَ أَبْلاَنِي
وَخَوَّلَنِي الْفَضَلَ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ
وَشِيكاً وَأَعْطَانِي فَأَفْعَمَ أَعْطَانِي
تَخَّونَنِي صَرفُ الْحَوَادِثِ فَانْثَنَى
يُقَبِّلُ أَرْدَانِي وَمِنْ بَعْدُ أَرْدَانِي
وَأَزْعَجَنِي مِنْ مَنْشَأي وَمُبَوَّأي
وَمَعْهَدِ أَحْبَابِي وَمَأْلَفِ جِيرَانِي
بِلاَدِي الَّتِي فِيهَا عَقَدْتُ تَمَائِمِي
وجمَّ بِهَا وَفْرِي وَجَلَّ بِهَا شانِي
تُحَدِّثُنِي عَنْهَا الشَّمَالُ فَتَنْثَنِي
وَقَدْ عَرَفتْ مِنِّي شَمَائِلَ نَشْوَانِ
وَآمُلُ أَنْ لاَ أَسْتَفِيقَ مِنَ الْكَرَى
إِذَا الْحُلْمُ أَوْطَانِي بِهَا تُرْبَ أَوْطَانِي
تَلَوَّنَ إِخوَانِي عَلَيَّ وَقَدْ جَنَتْ
عَليَّ خُطُوبٌ جَمَّةٌ ذَاتُ أَلْوَانِ
وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَ أَنْ يَتَنَكَّرُوا
بِأَنَّ خِوَانِي كَانَ مَجْمَعَ خَوَّانِي
وَكَانَتْ وَقَدْ حُمَّ القَضَاءُ صَنَائِعِي
عَلَيَّ بِمَا لاَ أَرْتَضِي شَرَّ أَعْوَانِي
فَلَوْلاكَ بَعْدَ اللهِ يَا مَالِكَ الْعُلَى
وَقَدْ فُتُّ مَا أَلْفَيْتُ من يَتَلاَفَانِي
تَدَارَكْتَ مِنِّي بالشَّفَاعَةِ مُنْعِماً
بَرِيئاً رَمَاهُ الدَّهْرُ فِي مَوْقِفِ الْجَانِي
فَإِنْ عَرَفَ الأَقْوَامُ حَقَّكَ وُفِّقُوا
وَإِنْ جَهِلُوا بَاءُوا بِصَفْقَةِ خُسْرَانِ
وَإنْ خَلطَوُا عُرفاً بنُكْرٍ وَقَصَّرُوا
وَزَنْتَ بِقِسْطَاسٍ قَوِيمٍ وَمِيزَانِ
وَحُرمَةُ هَذَا اللَّحْدِ يَأَبَى كَمَالُهَا
هَضيمَةَ رَدٍّ أَوْ حَطِيطَةَ نُقْصَانِ
وَقَدْ نِمْتُ عَنْ أَمري وَنبَّهْتُ هِمَّة
تُحَدِّقُ مِنْ عُلْو إِلَى صَرْحِ هَامَانِ
إِذَا دَانَتِ اللَّهَ النُّفُوسُ وَأَمَّلَتْ
إِقَالَةَ ذَنْبٍ أَوْ إِنَالَةَ غُفْرَانِ
فَمَوْلاَكَ يَامَوْلاَيَ قِبْلَةُ وِجْهَتِي
وَعُهْدَةُ أَسْرَارِي وَحُجَّةُ إِعْلاَنِي
وَقَفْتُ عَلَى مَثْوَاهُ نَفْسِي قَائِما
بِتَرْدِيدِ ذِكْرِ أَوْ تِلاَوَةِ قُرْآنِي
وَلَوْ كُنْتُ أَدْرِي فَوْقَهَا مِنْ وَسِيلَةٍ
إِلَى مُلْكِكَ الأَرْضَى لَشَمَّرْتُ أَرْدَانِي
وَأَبْلَغْتُ نَفسِي جُهْدَهَا غَيْرَ أَنَّنِي
طِلاَبِي مَا بَعْد النَّهَايَة أَعْيَانِي
قَرَأتُ كِتَابَ الْحَمْدِ فِيكَ لِعَاصِمٍ
فَصَحَّ أَدَائِي وَاقْتِدَائِي وَإِتْقَانِي
فَدُونَكَهَا مِنْ بَحْرِ فِكْرِيَ لُؤلُؤاً
يُفَصَّلُ مِنْ حُسْنِ النِّظَامِ بِمَرْجَانِ
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ بِالشِّعْرِ يَعْتَنِي
وَكَمْ حُجَّةٍ فِي شِعْرِ كَعْبٍ وَحَسَّانِ
وَوَاللَّهِ مَا وَفَّيتُ قَدْرَكَ حَقَّهُ
وَلَكِنَّهُ وُسْعِي وَمَبْلَغُ إمْكَانِي
المصدر : عالم الادب