أخبارأدب

حسيبك للزمن , لاعتاب ولا شجن ..!! )

بقلم : أحمد سليمان النجار 

قيل لحكيم : إن فلاناً يشتمك في المجالس , فذهب إلى داره وطرق بابه , فلما خرج الرجل , قال له الحكيم :

هَلُمَّ بنا إلى مكان هادٍ أعاتبك عتاب مُحب , فانطلقا إلى مكان بعيدٍ , وقال له الحكيم : بلغني أنك تشتمني , فهل حدث ذلك ؟ فقال الرجل : نعم , فأمسك به الحكيم و ( مردغه وتوطى في بطنه ) وانصرف ..!!

بداية :

أعترفُ ، لست كهذا الحكيم الـ ( جون سينائي ) , ولكني فعلاً لاأُحب العتاب , فأنا أعطي فرصةً تلو فرصةً , ثم أرحل بصمت و( حسيبه للزمن ، كما فعلت أم كلثوم ..!!) , وعلى يقيني بأن ثقافة العتاب موجودة في عمق العقلية الإنسانية على مختلف أطيافها ومعتقداتها , فهي عند العرب وعند غيرهم , وعند المسلمين وعند غيرهم , فقد جاء في ( إنجيل متى ) الإصحاح ( 18 ) :

إذا أخطأ أخوك فاذهب إليه وعاتبه ..

وعلى معرفتي التامة بتباين المواقف بين داعٍ للعتاب كوسيلة لإبقاء المحبة ( صابون القلوب ) كقول أحمد شوقي :

أما العتاب فبالإحبة أخلقُ **

والحُب يَصلحُ بالعتابِ ويصدقُ ..!!

وبين ذمٍ له بالجملة , كما قال الشاعر :

فدع العتاب فرب شر **

هاج أوله العتاب ..!!

وبين من يؤيده ولكن بمقدارٍ مُعين , كما قال أبو منصور الثعالبي في كتابه الشهير ( اللطائف والظرائف ) :

العتاب، مثل الدواء ينقي به عارض الصدود، ويشفي بمكانه مرض الصدور، فإذا استعمل لغير علة عارضة، وتُنوقل بلا حاجة ظاهرة، تحول داء المحبة دويّا وصار موتا بيد القطيعة وحيّا…!!

على يقيني ومعرفتي بكل ذلك , إلا أني لازلتُ لاأُحب العتاب ولاأميل له ..!! وعندي أن للعتاب أربع نتائج ، وهي كالتالي :

1-أن يعترف المُعاتبُ بخطئه ويعتذر عنه ولايكرره , وهذا نادر , ويقتضي قدراً عالياً من الحب والتمسك والرقي ..

2- أن يتحول الأمر من خطأ غير مقصود , أو من الممكن احتماله , إلى أمر مُتعمد , ومثال ذلك :

لو أن شخصاً ( رشك ) بالماء , وعاتبته بكل لطفٍ : أنا لاأُحب هذا النوع من المزاح , ثم عاد ثانية لنفس ( الرش ) , فسيقع في قلبك أنه ليس مُزاحاً , بل هو فعل مُتعمد , وبالتالي ستصبح ردة فعلك أعنف وأشرس ..!!

3-أن يتحول العتاب إلى لعبة ( قذف الكرة ) فسيكون كل هم المُعاتب أن يعود بالعتب عليك , وقد يضطر لتذكيرك حتى بأنك ركلته عندما كنت نائماً بجواره بعد ولادتكما بشهرين ..!!

4-أن ينزل المُعاتب عند عتابك , ولكن قد يُشعرك ذلك بالنقص والإذلال , فمثلاً :

عاتبته أنه لم يقم بزيارتك , فلو زارك بعد عتابك , قد يقع في قلبك أنه إنما جاء لأنك عاتبته , وإلا ماكان فعل ..!!

وعلى رغم ذلك فإن إيماني بأني كمُربٍ ومستشار وكاتب , لايصح أن أبني فلسفةً على ماتقبله أو ترفضه نفسي , ولكن على مايقتضيه المنطق السليم على قدر استطاعتي , تاركاً طريقاً للعودة للصواب إن ثبت أني على خطأ ..

وعلى منهج : إن كُنتَ لابُدَ فاعل , أقول :

إن كُنت لابُد مُعاتباً , فدونك ( استراتيجية ) خاصة بي ذات شقين اثنين

الأول :

اختر من تُعاتب .

ففي نظري أن هناك ثلاثة أصناف من البشر إياك ثم إياك أن تُعاتبهم مهما حدث :

-أولهم :

المُتكبر , فهولايرى أنه أساء لأحد في الأصل , وسيمنعه كبره أن يتنازل

أو يعترف , ولن تصل معه لشيء ..!!

-الثاني :

المُجادل , من تعرف أنه مُحب للجدال , وهذا أيضاً لن تصل معه لشيء ….

-الثالث :

الكاره , وهذا بالذات لن تصل معه لشيء , بل عندما يكتشف أن هذا الأمر يضايقك , فسيزداد فيه ويتفنن , ( كانه يكيدك ازيدك ..!! )

وهنا قد يسأل سائل :

من تركت لأعاتبهم ؟ أأعاتب جدتك ؟!!

وهنا – أيها الأحبة – أرجوكم انزلوا لإكمال المقال , وأنا سأتصل بالحكيم ( الجون سينائي ) ونعاتب هذا السائل عتاب مُحب , ثم أدرككم ..!

( جدتي ياظريف ؟!! )

عدت ولله الحمد

ما أعنيه , هو تضييق دائرة من تعاتبهم , وليس إغلاقها تماماً ..

فعاتب من تعلم حبه لك وحرصه ورغبته في المحافظة عليك ..

أما الشق الثاني للاستراتيجية , فهو في نصائح لابُد أن يتبعها من يُعاتب لتحقيق أفضل نتيجة للعتاب , وحتى لايخرج العتاب عن مساره ..

أولها :

حاكم نفسك بصدق وشفافية قبل أن تعاتب غيرك , فهل الأمر خطأ يستحق العتاب , أم أنك حساس أكثر من اللازم , وحملت الأمر أكثر ممايحتمل ؟, وهل أنت سببٌ للذي حدث , فقد يكون ماأغضبك ردة فعل لفعلٍ أنت من قام به , لاأعني ركلتك له وعمرك شهرين , لكن فعلاً راجع نفسك .. , ثم أفهم الموضوع وكون عنه فكرة كاملة , وتيقن وتثبت , كما فعل الحكيم وسأل من ( مردغه ) قبل أن ( يمردغه ) ..

ثانياً :

كلما أجلت العتاب , كلما كان ذلك أفضل , فعندما تعاتب بعد الخطأ مباشرة , سيكون عتابك هجوم لامحالة وستكون منفعلاً وغاضباً وغير متسامح , دع الأمر يمكث حتى يهدأ وتهدأ أنت , ثم تتضح الرؤية وتتخذ أفضل القرارات ..!!

ثالثاً :

قبل عتابك له , اكتم الأمر واحتفظ به لنفسك , وإياك أن تنقل الأمر للآخرين وتشتكي , فينتشر الأمر ويتعاظم , ويضيف إليه ( طرفين الحكية ) كما وصفهم بذلك البدر بدر بن عبدالمحسن يرحمه الله ويغفر له , فيصله الأمر , ويغدو الإصلاح صعباً ..!!

رابعاً :

اختر الأسلوب المناسب والمدخل السليم , فكلمة : أعاتبك , ستجعل الطرف الآخر يشعر بأنه في دائرة الاتهام , وسيحاول الخروج منها بكل قوته , وستجده مهاجماً مُنكراً رافضاً , ويتحول العتاب لخلاف أكبر , فقدم الأمر على أنه استفسار واستفهام , ولو غلفته ببعض اللطف – وهذا ليس نفاقاً – كأن تقول لها أو له :

هناك امر حدث , وأرغب في التحدث معك فيه , فلعلي فهمت الأمر خطأ , لأني أعرف محبتك لي وأعرف أدبك الجم , ثم اطرح ماتريد , وبعدها لامانع أن تطرحه أرضاً و ( تمردغه ) إن لم ينفع معه هذا الأسلوب ..!!

خامساً :

المقصود من العتاب هو وصول الأمر إليه , فلا تتوقف كثيراً عند أعذاره , فقد يضطر – خجلاً – أن يخترع أعذاراً واهية وحججاً غير صادقة , ليخرج من الحرج , فلا تثقل عليه , ولاتنتظر العذر ..

وأجمل ماقرأت في ذلك أن أحد ( الغزلنجية القدام )* قد بلغه أن محبوبته قد ذكرته بسوء في مجلس نميمة نسائي فاخر :

فأرسل لها هدية , ومعها قصاصة مكتوب عليها :

لئن ساءني أن نلتني بمساءةٍ **

لقد سرني إني خطرتُ ببالكِ ..!!

ختاماً :

لاتُعاتب إلا من تثق بحبه لك وحرصه عليك ورغبته في الحفاظ عليك , ومن تعلم فيه الرقي والاصطلاح مع الذات وبعده عن التكبر والجدال , وأنك كلما استغنيت عن العتاب كان أفضل , فيوسف – عليه السلام – لم يعاتب أخوته وأسرها في نفسه ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق