مقالات وبحوث
في مجلس رجل المكارم
بقلم : نائب رئيس التحرير علي المسعودي
(جاء صفوان بن عسال رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ في المسجد على برد له أحمر، فقال له: يارسول الله إني جئت أطلب العلم!
فقال له النبي ﷺ: مرحبا بطالب العلم، إن طالب العلم لتحفّه الملائكة وتظله بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من حبهم لما يطلب)
بعد هذا الترحيب العجيب والمختلف شكلاً ومضموناً من النبي ﷺ ، هل يمكن لصفوان أن يزهد في طلب العلم؟
حتماً لا،، بل سيزداد نهمه وحرصه في الطلب.
أتحدث عن الحفاوة وحسن الاستقبال، خاصة إذا جاء ممن هو في غنى وسعة وأقبل عليه من لايحتاجه في شيء، ولاينتظر قدومه..
هنا تبدو سجايا النفس الكريمة.
يقول صياح المرتعد في بيت شعبي:
الطيب في وجه المشبّب وهايب
وطيب الفتى من عند ربه مواهيب
ياسلام على روعة التعبير.. فكل من يفهم البيت يتمنى أنه المقصود.
ولا يتوقف الشاعر عند ذلك فحسب، بل يضع في قصيدته هذه الوصفة الإنسانية:
(أصل القرى زين النبا والتراحيب)
هذا أصل إكرام الوفد والضيف والعاني، أما بقية الأمور من قهوة وطعام هي استكمال للمكارم.
يحضرني الحديث الشريف والبيت الشعري حين استرجع تلك الليلة التي قمت فيها بصحبة أخي الشاعر محمد ياسين بزيارة سعادة الشيخ سعود بن خالد آل ثاني..
صلينا التراويح ثم انطلقنا إلى “الخرارة” قاصدين (المَشرع) مكان الضيافة الربيعية التي اختارها (أبوخالد) لضيوفه الكرام
وعندما تقبل تجد الشيخ سعود بين مريديه بوجه الرضا والطمأنينة، يستقبلك بابتسامة ودودة ويقرّبك كأنك ضيفه الوحيد، وحوله أصحاب له يحملون من سجاياه النبيلة.
مجلس مليء بالحديث اللطيف النافع المفيد.. عن الدين، الشعر، الآداب، العلم، الدول، السفر
ثم اجتماع على مائدة، ينصحك ببعض الأطباق.. كرماً منه.
وهاقد أدركنا منتصف الليل،
دعانا الشيخ إلى صلاة قيام الليل.. في زاوية من الخيمة الواسعة البهية الجميلة.. تشارك الحضور في تلك الصلاة الخاشعة بإمام شاب حلو الصوت حسن الدعاء.
ومن تفاصيل الأحاديث دعوة غالية إلى العمرة.. واهتمامه الشخصي… وسؤاله عن الأصدقاء ..
ماأطيب وأجمل وأروع أن يرزقك الله اسماً عاليا مشفوعاً بخلق رفيع وتواضع جم.. ثم يفيض عليك بفيض كرمه أن يقذف محبتك في القلوب.
قال حاتم الطائي:
وما الخِصْبُ للأضيافِ أن يكثُرَ القِرى
. ولكنَّما وجهَ الكريمِ خصيبُ
اقتربنا من وقت اذان الفجر.. بعد نقاش طويل ثريّ.. بكل مافي القلوب من رحابة وأمان، ثم خرجنا من المجلس ندعو لهذا الشهم الكريم أن يطيل الله عمره على الطاعة.
وها أنا أكرر الزيارة إلى مجلس الشيخ سعود مرة أخرى قبل يومين، فوجدته يستعد للسفر إلى مصر التي لها في قلبه مكانه كبيرة
وعندما عرفت سبب الزيارة.. أيقنت أن هذا الرجل هو ملخص لمعاني النبل والوفاء والكرم..
خرجت من مجلسه.. وكتبت:
خُذْ ما بَدا لَكَ في الزَّمانِ الأَوَّلِ
. وَعَلى الحَقيقةِ إِنْ كَتبْتَ فَعَوِّلِ
وإذا مضيت مَعَ القصيدة راحلاً
. لا مُؤنِسٌ لك غَيرَ قلبٍ مُثقلِ
قل هَكذا أصْلُ المكارِمِ عِندَهُ
. واكتبْ قَريضَكَ في الأجَلِّ الأجْزلِ
فَخْرُ الرِّجالِ أَصالةً ومَناقِباً
. وَجْهُ الكَريمِ يُضِيءُ وَجْهَ المُقْبِلِ
أَفْعالُ مَنْ تلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ
. وبِذاك فانهل نِعْمَ طيب المَنْهَلِ
هَذا سُعُودُ الجُودِ جَادكَ غيثُهُ
فاسْلُكْ دُرُوبَ الخَيرِ.. أَبْشِرُ يا (عَلي)
ali@arabicadab.com